كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد فسرناه في سورة الأنعام {يَخْلُقُكُمْ في بُطُونِ أمهاتكم خَلْقًا مّن بَعْدِ خَلْقٍ} يعني: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، حالًا بعد حال، {فِى ظلمات ثلاث} أي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وهو الذي يكون فيه الولد في الرحم، فتخرج بعد ما يخرج الولد، {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ} يعني: الذي خلق هذه الأشياء هو ربكم، {لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُصْرَفُونَ} يعني: من أين تكذبون على الله، ومن أين تعدلون عنه إلى غيره؟ فاعلموا، أنه خالق هذه الأشياء.
ثم قال: {إِن تَكْفُرُواْ} يعني: إن تجحدوا وحدانيته، {فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ} يعني: عن إقراركم، وعبادتكم، {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} قال الكلبي: يعني: ليس يرضى من دينه الكفر.
ويقال: {لاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} وهو ما قاله لإبليس: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان.
ويقال: {لاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} يعني: بشيء من عبادة الكفار {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} يعني: إن تؤمنوا بالله، وتوحدوه، يرضه لكم.
يعني: يقبله منكم، لأنه دينه، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} يعني: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} يعني: مصيركم في الآخرة {فَيُنَبّئُكُمْ} يعني: فيخبركم، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير، أو شر، فيجازيكم، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} يعني: عالم بما في ضمائر قلوبهم.
ثم قال: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ} يعني: إذا أصاب الكافر شدة في جسده، {دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} يعني: مقبلًا إليه بدعائه {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ} قال مقاتل يعني: أعطاه، وقال الكلبي: يعني: بدله عافية مكان البلاء {نَسِىَ} ترك الدعاء {مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} ويتضرع به، {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا} يعني: يصف لله شريكًا، {لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ}.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، {لِيُضِلَّ} بنصب الياء، وهو من ضل يضل.
يعني: ترك الهدى.
وقرأ الباقون: {لِيُضِلَّ} بالضم.
يعني: ليضلّ الناس.
ويقال: ليضل نفسه بعبادة غير الله، ويصرفهم عن سبيل الله.
يعني: عن دين الله {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} يعني: عش في الدنيا مع كفرك قليلًا {إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار} يعني: من أهل النار.
قوله عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل ساجدا وَقَائِمًا} وأصل القنوت هو القيام.
ثم سمي المصلي قانتًا، لأنه بالقيام يكون.
ومعناه: أمن هو مصل كمن لا يكون مصليًا على وجه الإضمار.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ القَانِتِ القَائِمِ» يعني: المصلي القائم.
قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، {مِن} بالتخفيف.
وقرأ الباقون: بالتشديد.
فمن قرأ: بالتخفيف، فقد روي عن الفراء أنه قال: معناه يا من هو قانت.
كما تقول في الكلام: فلان لا يصوم، ولا يصلي، فيا من يصلي، ويصوم، أبشر.
فكأنه قال: يا من هو قانت أبشر.
ومن قرأ: بالتشديد.
فإنَّه يريد به معنى الذي.
ومعناه: الذي هو من أصحاب النار.
فهذا أفضل أم الذي هو قانت آناء الليل.
يعني: ساعات الليل في الصلاة، ساجدًّا، وقائمًا في الصلاة، {يَحْذَرُ الآخرة} يعني: يخاف عذاب الآخرة، {مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ} يعني: مغفرة الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ} وهم المؤمنون، {والذين لاَ يَعْلَمُونَ} وهم الكفار في الثواب، والطاعة.
ويقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ} يعني: يصدقون بما وعد الله في الآخرة من الثواب، {والذين لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: لا يصدقون.
ويقال: معناه قل هل يستوي العالم والجاهل.
فكما لا يستوي العالم والجاهل، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الالباب} يعني: يعتبر في صنعي، وقدرتي من له عقل، وذهن.
قوله عز وجل: {قُلْ ياعباد الذين كَفَرُواْ} يعني: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، {اتقوا رَبَّكُمُ} يعني: اخشوا ربكم في صغير الأمور، وكبيرها، واثبتوا على التوحيد.
ثم قال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا حَسَنَةٌ} يعني: لمن عمل بالطاعة في الدنيا حسنة، له الجنة في الآخرة.
ويقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} يعني: شهدوا أن لا إله إلا الله في الدنيا حسنة.
يعني: لهم الجنة في الآخرة.
ويقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} أي: ثبتوا على إيمانهم فلهم الجنة.
قوله: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} قال مقاتل: يعني: الجنة واسعة.
وقال الكلبي: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} يعني: المدينة، فتهاجروا فيها.
يعني: انتقلوا إليها، واعملوا لآخرتكم، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ} يعني: هم الذين يصبرون على الطاعة لله في الدنيا، جزاؤهم، وثوابهم على الله، {بِغَيْرِ حِسَابٍ} يعني: بلا عدد، ولا انقطاع.
وروى سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن جندب بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ».
قال سفيان لما نزل {مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَبِّ زِدْ أُمَّتِي».
فنزل: {مَّثَلُ الذين يُنفِقُونَ أموالهم فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ والله يضاعف لِمَن يَشَاءُ والله واسع عَلِيمٌ} [البقرة: 261] قال: «رَبِّ زِدْ أُمَّتِي» فنزل {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَبِّ زِدْ أُمَّتِي» فنزل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل: {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله، وملة جدك عبد المطلب، وسادات قومك يعبدون الأصنام؟ فنزل: {قُلْ} يا نبي الله {إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} يعني: التوحيد، {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} من أهل بلدي {قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} وعبدت غيره، ينزل علي {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: في يوم القيامة {قُلِ الله أَعْبُدُ} يعني: أعبد الله {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى} أي: توحيدي.
{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ} من الآلهة.
وهذا كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} [الكافرون: 6] ويقال: {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ} لفظه لفظ التخبير والأمر، والمراد به التهديد والتخويف، كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُم مِن دُونِهِ} وكقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} ويقال: قد بيّن الله ثواب المؤمنين، وعقوبة الكافرين.
ثم قال: {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ} وذلك قبل أن يؤمر بالقتال، فلما أيسوا منه أن يرجع إلى دينهم، قالوا: خسرت إن خالفت دين آبائك.
فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} يعني: أنتم الخاسرون، لا أنا.
ويقال: الذين خسروا أنفسهم بفوات الدرجات، ولزوم الشركات، {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} يعني: الظاهر حيث خسروا أنفسهم، وأهلهم، وأزواجهم، {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار} يعني: أطباقًا من نار، {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} يعني: مهادًا من نار، أو معناه: أن فوقهم نار، وتحتهم نار، {ذلك يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} أي: ذلك الذي ذكر، يخوف الله به عباده في القرآن، لكي يؤمنوا.
{قَلِيلًا وإياى فاتقون} أي: فوحدون، وأطيعون، {والذين اجتنبوا الطاغوت} قال مقاتل: يعني: اجتنبوا عبادة الأوثان.
وقال الكلبي: {الطاغوت} يعني: الكهنة {أَن يَعْبُدُوهَا} يعني: أن يطيعوها، ورجعوا إلى عبادة ربهم {وَأَنَابُواْ إِلَى الله} أي: أقبلوا إلى طاعة الله.
ويقال: رجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله {لَهُمُ البشرى} يعني: الجنة.
ويقال: الملائكة يبشرونهم في الآخرة، {فَبَشّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول} يعني: القرآن {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} يعني: يعملون بحلاله، وينتهون عن حرامه، وقال الكلبي: يعني: يجلس الرجل مع القوم، فيستمع الأحاديث، محاسن ومساوىء، فيتبع أحسنه، فيأخذ المحاسن، فيحدث بها، ويدع مساوئه.
ويقال: يستمعون القرآن ويتبعون أحسن ما فيه، وهو القصاص، والعفو يأخذ العفو لقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين} [النحل: 126]، وقال بعضهم: يستمع النداء، فيستجيب، ويسرع إلى الجماعة.
وقال بعضهم: يستمع الناسخ، والمنسوخ، والمحكم من القرآن، فيعمل بالمحكم، ويؤمن بالناسخ والمنسوخ.
ثم قال: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَاهُمُ الله} أي: وفقهم الله لمحاسن الأمور.
ويقال: {هَدَاهُمُ الله} أي: أكرمهم الله تعالى بدين التوحيد {وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُو الالباب} يعني: ذوي العقول.
قوله عز وجل: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب} يعني: وجب له العذاب.
ويقال: أفمن سبق في علم الله تعالى أنه في النار، كمن لا يجب عليه العذاب.
{أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن في النار} يعني: تستنقذ من هو في علم الله تعالى، أنه يكون في النار بعمله الخبيث.
ويقال: من وجبت له النار: وقدرت عليه.
ثم ذكر حال المؤمنين المتقين فقال عز من قائل: {لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ} يعني: وحدوا ربهم، وأطاعوا ربهم، {لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ} في الجنة، وهي العلالي.
غرف مبنية، مرتفعة بعضها فوق بعض، {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار وَعْدَ الله} في القرآن، {لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد}.
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرض} أي: فأدخله في الأرض فجعله ينابيع.
يعني: عيونًا في الأرض تنبع.
ويقال: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرض} يعني: جاريًا في الأرض، وهي تجري فيها.
ويقال: جعل فيها أنهارًا وعيونًا {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أحمر، وأصفر، وأخضر، {ثُمَّ يَهِيجُ} أي: يتغير {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} أي: يابسًا بعد الخضرة.
ويقال: {ثُمَّ يَهِيجُ} يعني: ييبس.
ويقال: {يَهِيجُ} أي: يتم، ويشتد من هاج يهيج.
أي: تم يتم {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} متغيرًا عن حاله، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حطاما} قال القتبي: {حطاما} مثل الرفات، والفتات.
وقال الزجاج: الحطام ما تفتت، وتكسر من النبت.
وقال مقاتل: {حطاما} يعني: هالكًا {إِنَّ في ذَلِكَ لذكرى} أي: فيما ذكر لعظة {لاِوْلِى الالباب} يعني: لذوي العقول من الناس {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} يعني: وسع الله قلبه للإسلام.
ويقال: لين الله قلبه لقبول التوحيد، {فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} يعني: على هدى من الله تعالى.
وجوابه مضمر.
يعني أفمن شرح الله صدره للإسلام، واهتدى، كمن طبع على قلبه، وختم على قلبه فلم يهتد.
ويقال: {فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} يعني: القرآن.
لأن فيه بيان الحلال والحرام.
فهو على نور من ربه لمن تمسك به.
ويقال: على نور يعني: التوحيد، والمعرفة.
وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} قالوا: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا دَخَلَ النُّورُ فِي القَلْبِ انْفَسَحَ، وَانْشَرَحَ» قالوا: فهل لذلك علامة؟ قال: «نَعَمْ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، وَالإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ».
ثم قال: {فَوَيْلٌ} يعني: الشدة من العذاب {للقاسية قُلُوبُهُمْ} يعني: لمن قست، ويبست قلوبهم، {مّن ذِكْرِ الله} تعالى.
ويقال: القاسية.
الخالية من الخير، {أولئك} يعني: أهل هذه الصفة {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي: في خطأ بيّن.
قوله عز وجل: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} يعني: أحكم الحديث، وهو القرآن.
وذلك أن المسلمين قالوا لبعض مؤمني أهل الكتاب، نحو عبد الله بن سلام: أخبرنا عن التوراة، فإن فيها علم الأولين والآخرين.
فأنزل الله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} يعني: أنزل عليكم أحسن الحديث، وهو القرآن.
ويقال: {أَحْسَنَ الحديث} يعني: أحسن من سائر الكتب، لأن سائر الكتب صارت منسوخة بالقرآن، {كتابا متشابها} يعني: يشبه بعضه بعضًا، ولا يختلف.
ويقال: {متشابها} يعني: موافقًا لسائر الكتب في التوحيد، وفي بعض الشرائع.
وروي عن الحسن البصري أنه قال: {متشابها} يعني: خيارًا لا رذالة فيه.
ويقال: {متشابها} اشتبه على الناس تأويله.
ثم قال: {مَّثَانِيَ} يعني: أن الأنباء، والقصص، تثنى فيه.
ويقال: سمي مثاني، لأن فيه سورة المثاني.
يعني: سورة الفاتحة {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين}.
ثم قال: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} يعني: ترتعد مما فيه من الوعيد، {جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}.
ويقال: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} يعني: تتحرك مما في القرآن من الوعيد.
ويقال: ترتعد منه الفرائض.
{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ} يعني: بعد الاقشعرار {إلى ذِكْرِ الله} من آية الرحمة، والمغفرة.
يعني: إذا قرأت آيات الرجاء، والرحمة، تطمئن قلوبهم، وتسكن، {ذلك} يعني: القرآن {هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء} يعني: بالقرآن من يشاء الله أن يهديه إلى دينه {وَمَن يُضْلِلِ الله} عن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يعني: لا يقدر أحد أن يهديه، بعد خذلان الله تعالى.